اخبار اقتصادية

تقرير خاص عن قمة الاتحاد الاوروبي والسيناريوهات المحتملة لتأثيرها على اسعار العملات

استعراض عام لقمة الاتحاد الأوروبي: الطريق الطويل نحو الهروب من الانهيار

ستنعقد القمة المقبلة للاتحاد الأوروبي يومي 28-29 من يونيو/حزيران في بروكسيل. وسيعمد قادة وزعماء الاتحاد لبحث ومناقشة كافة الموضوعات بدءًا من التماسك المالي للمنطقة والاتحاد المالي المحتمل وميثاق النمو، ثم العروج بعدها لمناقشة توسيع الاتحاد، وإمكانية ضم دولة (مونتنيجرو) إلى كتلة اليورو.

وعلى خلاف القمم السابقة، ثمة توقعات بأن تحقق هذه القيمة شيئين: الأول، التوصل لاتفاق بشأن خارطة طريق تمهد لإقامة الاتحاد المالي والمصرفي والسياسي المرتقب في كتلة العملة، والثاني هو تفعيل بعض الإجراءات قصيرة الأجل للمساعدة في تخفيف الضغوط الواقعة على أسواق السندات في البلدان الواقعة في أطراف أوروبا.

ولكن ما تبعات ذلك؟

رغم أن عوائد السندات الإيطالية والأسبانية خلال القمة التي عقدت في ديسمبر/كانون الأول الماضي كانت أعلى منها الآن، إلا أن الأسواق في ذلك الوقت تمت تهدئتها بدفعات من الأموال الرخيصة طويلة الأجل من البنك المركزي الأوروبي ECB لإعطاء دفعة للقطاع المصرفي الأوروبي. أما هذه المرة فلن يعد أحد قادر على إقناع المركزي الأوروبي بهذا الإجراء مجددًا. فبعد عامين استغرقتها الأزمة حتى الآن، ثمة شعور ساد في الأسواق المالية بأن هذه القمة ستسفر عن أشياء مهمة وأنها إما أن تغير المسار المرتقب لكتلة اليورو، أو تفشل في اتخاذ الإجراء الضروري لإقامة اتحاد أكثر قوة ومن ثم تكون قد حملت بذور فنائها.

وقد قال رئيس الوزراء الإيطالي «ماريو مونتي» الأسبوع الماضي بأن لدى زعماء أوروبا  أسبوع واحد لإنقاذ منطقة اليورو، وأنه ما لم يتم الاتفاق على إجراء جريء خلال الأيام القليلة الماضية، فلن يصبح على الوجود منطقة يورو كي تنضم لها دولة «مونتنيجرو».

تفاصيل القضية

من المقرر أن تبدأ القمة مبكرًا يوم الخميس الموافق 28 يونيو/حزيران، ونحن نتوقع أن يتبعها عقد مؤتمر صحفي في حوالي الساعة 1630 حسب توقيت وسط أوروبا CET/ 1730 حسب التوقيت الصيفي البريطاني BST بمجرد اختتامه يوم الجمعة (رغم أن مثل هذه القمم قد تستمر للساعات الأولى من الصباح).

وتتوق الأسواق في الوقت الراهن لشيئين؛ الأول هو الاتفاق على اتحاد مالي/مصرفي وسياسي أكثر قوة، والثاني هو التفهم لحجم التضحيات التي سيتتبعها ذلك لصالح الدول الأعضاء أنفسها في منطقة اليورو. فمثلاً، هل سيعني وجود اتحاد مالي أقوى أن يتم تجميع الديون، وأن يتسنى لدول أطراف أوروبا أن تتكل على التصنيف الائتماني القوي لألمانيا (حتى بعد قيام «إيجان جونز» بتخفيض التصنيف السيادي لألمانيا مساء الثلاثاء) . وقد يذهب البعض إلى أن دول الاتحاد قد فعلت ذلك في العقد الأول من كتلة اليورو، رغم أن الأسواق لم تكن تعاني نفس القدر من الوساوس في ذلك الحين، ولم تكن في حاجة حينئذ لاتحاد مالي يجعل دول أطراف الاتحاد جديرة بالائتمان.

ومع ذلك، فإن ضمان الدين لا يمثل إلا طرفًا واحدًا في معادلة الاتحاد المالي، أما الطرف الآخر فهو التنظيم والإشراف المالي. فهل ستنشأ وزارة مالية مركزية تتولى الإشراف والمتابعة على الديون وبرامج الإنفاق؟ هل سيتحتم من أجل وضع الميزانية موافقة كافة أعضاء كتلة اليورو؟ هل ستصدر دول اليورو ديونها الخاصة، على نحو ما كان عليه الحال منذ أن طرح اليورو لأول مرة، أم ستتولى بروكسيل إصدارها؟ هل سيكون مآل الاتحاد الأوروبي النهائي هو الإصدار المشترك للديون؟ هذا فضلاً عن أسئلة عديدة ترغب الأسواق والمحللين والإعلام والمواطنون في أوروبا في البحث عن إجابة لها.

طبيعة المشكلات القائمة

جاءت معارضة ألمانيا لاقتسام أعباء الديون على لسان المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» نفسها، والتي نقل عنها قولها بأن لن تسمح بحدوث أي تقاسم كامل لأعباء الديون وهي على ظهر الحياة. فيما عبر مسئولون ألمان آخرون صراحة عن انتقاداتهم للسندات الأوروبية. كما أعربت برلين مؤخرًا عن مخاوفها من أن تقوم السلطات الأوروبية بمحاولة تمرير عملية تقاسم أعباء الديون من أبواب خلفية بدون أن تضع أولاً ضوابط رقابية مناسبة على المخاطر القائمة. لذا فألمانيا في حالة من التأهب وستجاهد على الأرجح لأجل إقرار ضوابط مركزية صارمة على الميزانيات.

بيد أن برلين ليست هي العقبة الوحيدة، فبعض الدول الأعضاء الأخرى تبدو رافضة لفكرة التنازل عن نفوذها الرقابي على ميزانياتها الوطنية لصالح سلطات مركزية. ورغم أن ذلك من منظور خارجي يبدو دالاً على أن لدى هذه الدول شيئًا ترغب في إخفاءه عن الأنظار، إلا أن هذا لا ينفي أن أحد الأسس التي قامت عليها منطقة اليورو قد هي حماية وصيانة سيادة الدول وحقوقها في ذلك. ومن ثم، فقد أبدت كلاً من فرنسا وإيطاليا رفضهما لفكرة أن تؤدي القمة المرتقبة للنيل من حقوقهما السيادية.

أما المشكلة الثالثة فهي مشكلة سياسية؛ فعندما كان يتطلب الأمر في الماضي  اتخاذ قرارات كبيرة في قمم الإتحاد الأوروبي، كانت فرنسا وألمانيا تتوليان قيادة الدفعة للتغيير. بيد أن «اولاند» ليس على «علاقة خاصة» مع «ميركل» على غرار ما كان يتمتع به سلفه «ساركوزي»، وهو ما يزيد من تعقيد عملية الحراك السياسي لهذه القمة. وتبدو «ميركل» معزولة وحدها في هذه القمة، حيث لا تساندها سوى كتلة شمال أوروبا المؤلفة من فنلندا والنمسا الخ، فيما تبدو كل من فرنسا وإيطاليا وأسبانيا تغني على ليلاها. وعندما تسعى لحث أربعة بلدان على الموافقة على أجندة معينة ثم إقناع الأعضاء الآخرين بالانضمام لهو أمر أكثر صعوبة، لأن استرضاء أربعة بلدان ليس كاسترضاء بلدين فقط.

لماذا لن تسفر هذه القمة عن نتائج مرضية  

خلال فترة الأزمة، رأينا كيف أن حركة الأسواق تأتي أسرع من حركة الساسة. فالأسواق تسير بوتيرة في غاية السرعة تقاس بالمللي ثانية، فيما الساسة يتحركون بشكل أبطأ يقاس بالأعوام والعقود. ومن ثم، فقد تأهبنا لاحتمال أن يكون أقصى ما يمكن أن يحققه هذا الاجتماع هو وضع برنامج عمل نحو إقامة الاتحاد المالي. والأسواق ليست بالسذاجة التي تجعلها تعتقد أن ساسة أوروبا سيتمكنون من حل هذه الأزمة على نهاية هذا الأسبوع؛ ومن ثم لم تعلق الأسواق آمالاً كبرى على هذه القمة. وهذا ما يختلف عن القمم الأخرى عندما كان تبدو على الأسواق حالة الابتهاج والتفاؤل قبل أو أثناء القمة، لتصاب بالإحباط بعيد ذلك إزاء نتائجها. وفي هذا الأسبوع تبدو الأسواق في حالة استعداد لتقبل الإحباط، وهو ما يترك على الأقل باب الأمل مفتوحًا للمتفائلين بأن تحدث مفاجأة إيجابية تغير الأوضاع.

ولكن ماذا ننتظر من هذه النتائج لكي نعتبرها مفاجأة إيجابية؟ بداية، يجب أن تكون عبارة عن خارطة طريق تفصيلية تضع أهدافًا مرحلية على مدار الأعوام القليلة المقبلة وتُتوج بوزارة مالية مركزية وسندات يورو. وقد قال قادة أوروبا أن إقامة اتحاد أوروبي متكامل تمامًا قد يستغرق نحو 10 أعوام، وطالما أن عملية الانتقال تُدار على النحو الملائم،  يمكن للأسواق أن تقابل هذا الأمر بارتياح. إلا أنه على المدى البعيد، لن يكون الطريق نحو إقامة «الولايات المتحدة الأوروبية» خاليًا من العقبات وقد يكتنفها مخاطر  تصحبها نوبات من عدم الرغبة في المخاطر.

كما يلزم كذلك أن يتوافر اتفاق واسع بين كافة الأعضاء حول الشكل الذي ينبغي أن تظهر عليه خارطة الطريق المأمولة، وعند هذه النقطة تحديدًا نتوقع أن يكون مكمن الصعوبة. فمع تبقي ساعات قلائل تفصلنا عن موعد بداية القمة، لا يبدو في الأفق وجود اتفاق حول تحقيق التوازن المطلوب بين تقاسم المسئولية المالية وبين تنازل الدول عن جانب من صلاحياتها السيادية لصالح سلطة أوروبية مركزية. إن للأسواق سمعة سيئة في تسعير المخاطر السياسية، وعلى نحو يجعلني أتساءل عما إذا كان من الممكن لنتائج هذه القمة أن تتسبب في انتشار نوبة أكثر قوة من عدم الرغبة في المخاطر.

وثمة فرصة بأن يكون البند الخاص بإقامة اتحاد مصرفي هو أيسر البنود في التوصل لاتفاق بشأنه، وقد نشهد نوعًا من السلطة المصرفية المركزية التي تحمل تفويضات أكثر قوة، إلا أنه ليس من المحتمل الاتفاق على نوع من الضمان المركزي للودائع المصرفية لكافة بنوك منطقة اليورو في هذا المرحلة.

الآثار على الأسواق

 نشهد الآن بزوغ نوعين من السيناريوهات:

1-    تسود الأسواق حالة من التفاؤل وارتفاع الاسعار بصفة عامة ترقبًا للدمج المالي المستقبلي وإزاء بشائر إقامة اتحاد مصرفي أقوى، بيد أن غياب التفاصيل يجعل هذا التفاؤل يذوي، لتبدأ بعدها الأصول عالية المخاطر سريعًا في التضعضع والهبوط لأسفل. وفي هذه السيناريو، قد نتطلع لبيع أي ارتفاعات في اليورو/دولار أمريكي EURUSD عند مستوى 1.2650 في البداية، ثم البيع مرة أخرى إذا وصل الارتفاع إلى مستوى 1.2750 (وهو أعلى مستوى مسجل بعد انتخابات اليونان). إلا أننا قد نرى هبوط العملة الأوروبية ثم تعود إلى أدنى مستوياتها البالغة 1.2250 لهذا العام. فإذا ما بلغنا هذا المستوى، يكون هناك احتمال بحدوث اختراق لمستوى 1.20، وقد يهبط إلى 1.18 بنهاية الربع السنوي الثالث. ولا نتوقع عودة إلى مستوى التعادل، لأن السوق في حالة بيع بالفعل لليورو، وإذا ما زاد تدهور أزمة منطقة اليورو، فقد يجري الاحتياطي الفيدرالي المزيد من التيسير الكمي، وهو ما يعني وضع نهاية لقوة الدولار.

2- ستصيب الأسواق حالة من الإحباط إزاء نتائج القمة. وفي هذا السيناريو، قد يفقد اليورو فرصة التحرك لأعلى، وينطلق مباشرة إلى مستوى 1.20، إلا أننا نرى من الصعب حدوث انخفاض لمستوى 1.15 أو أقل في هذا التوقيت.

الدور الحاسم للمركزي الأوروبي

سوف أختتم حديثي بكلمة عن البنك المركزي الأوروبي ECB، وذلك بالقول بأنه رغم هيمنة الساسة على مجريات هذه القمة، إلا أنه لا يزال للمركزي الأوروبي دور مهم يتعين عليه القيام به، ويتمثل في بناء جسر يصل بين حالنا الراهن وبين شاطئ  الاتحاد المالي المرتقب، وبحيث تصبح عندها أزمة الديون السيادية في عداد الذكريات التي طواها النسيان. وهذا يعني أنا قد نشهد إعادة البدء في برنامج سوق الأوراق المالية SMP إذا ما تجاوبت السندات الأسبانية بشكل سيء مع نتيجة القمة. وسيواصل المركزي الأوروبي على الأرجح دعمه للبنوك الأضعف في بلدان الأطراف الأوروبية، رغم أنه يتعجل زيادة خفض متطلباتها الضمانية بعد قيامه بذلك الأسبوع الماضي، خاصة إذا ما أسفرت هذه القمة عن نتائج محبطة.

إن حديثنا السابق ينطلق من فرضية عدم قيام المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة، ذلك أننا لا نرى أن تكاليف الاقتراض المنخفضة هي المشكلة التي تواجه كتلة العملة في الوقت الحالي – فهذه المشكلة هي النمو. ولأن التقشف والاندماج المالي صار هو شعار المرحلة، فإن خفض أسعار الفائدة لن يحدث فرقًا كبيرًا على الأرجح، خاصة عندما تكون أرقام الأسعار الحقيقية المعدلة حسب نسبة التضخم سلبية بالفعل. ومع ذلك، فإننا سنعرف مدى شهية البنك لخفض أسعار الفائدة يوم الخميس المقبل عند اجتماعه القادم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى